ساهرب من المنزل

تقول:
في أحد أكثر الأيام اثارة، وبينما أنا و زوجي نكد ونسعى في كل اتجاه، صدر عن طفلي "رامي" ذي الأربع سنوات والنصف سوء سلوك، فقمنا بتوبيخه ثم تكرر منه خطؤه، وبعد عدة محاولات منا لردعه عن تصرفاته السيئة، قام والده بمعاقبته بأن فرض عليه ملازمة أحد أركان المنزل وعدم التحرك منه،و أذعن الطفل للعقاب وظل هادئا الا أنه لم تبد عليه السعادة، بطبيعة الحال.لكنه،في النهاية، وبعد بضع دقائق قال :"سأهرب من المنزل" !! ..

في البداية اندهشت، وشعرت بالغضب لما قاله، ودون تفكير قلت له:"أحقا؟" ولكن عندما استدرت لأنظر اليه بدا ملاكا، غاية في الصغر والبراءة و على وجهه مسحة حزن.

وعندما لمست فيه أمارات الحزن،تذكرت لحظة مرت علي في طفولتي تفوهت فيها بنفس الكلمات نتيجة احساسي بالوحدة و كراهية من حولي.
 
لقد كان لسان حاله ينطق بما هو أكثر مما تنبئ به ألفاظه.لقد صرخ من أعماقه:حذار من أن تتجاهلوني. استشعروا وجودي أرجوكم !فكما تشعرون بأهميتكم أنا الآخر لي أهمية.أرجوكم، أشعروني بأني مرغوب في، دعوني أشعر بحبكم و باحتياجكم لي".

فهمست اليه في حنو وقد بدأت في حزم أمتعتي:
"حسنا يا رامي، يمكنك الهرب من المنزل" .. حسنا سنحتاج الى ملابسك المنزلية، ومعطفك، و.."
فقال:"ماما، ماذا تفعلين؟"
"سأحتاج أنا الأخرى الى معطفي، وثياب النوم" ثم حزمت تلك الأشياء في حقيبة ووضعتها قبالة الباب الأمامي.
"حسنا يا رامي، أمتأكد أنت من أنك تريد الهروب من المنزل؟"."أجل، لكن، وأنت، الى أين ستذهبين؟". " حسنا، اذا ما كنت تنوي حقا الهروب من البيت، فان ماما ستهرب معك، لأنني لا أود أبدا أن أتركك وحدك؛ فأنا أحبك كثيرا يا "رامي".
ثم سألني وقد تمسك كل منا بالآخر:
"لماذا تودين المجيء معي؟".
فنظرت الى عينيه وقلت:
"لأني أحبك يا رامي، فبدونك لن تصبح حياتي حياة ..
لذا فاني أريد أن أطمئن عليك،واذا مضيت سأمضي معك".
" وهل من الممكن أن يأتي والدي معنا؟".
"كلا، فعلى والدك أن يمكث في المنزل مع اخوتك سلمى و اياد. بالاضافة الى أن والدك لديه عمله، وعليه أن يرعى المنزل في غيابنا".
صمت الطفل برهة ليفكر قبل أن يقول:

"أمي هل يمكننا البقاء في البيت؟".
"أجل يا رامي، يمكننا البقاء بالبيت".
"أمي"
"نعم يا رامي؟"
"أحبك يا أمي".
" وأنا أيضا أحبك، يا حبيبي. ما رأيك أن تساعدني في اعداد الفيشار؟".
"حسنا".
أدركت في هذه اللحظة معنى النعمة العظيمة التي حباني الله بها، نعمة الأمومة، فليست المسؤوليات، التي تحملها الأم على عاتقها في سبيل انماء احساس طفلها بالأمان والاعتداد بالذات، بالأمر الهين الذي يمكن تجاهله، وأدركت كذلك أنني أحمل بين ذراعي عطية أخرى غالية، ألا وهي نعمة الطفولة.
 
نعمة أن يكون لك طفل مثل قطعة جميلة من الصلصال.طفل يرغب ويريد أن تحضنيه، طفل تشكلينه بيديك في أروع صورة ليصبح فتى بهي الطلعة واثقا من نفسه.
 
لقد تعلمت أنني كأم ينبغي علي ألا أهرب وأفوت على نفسي فرصة أن أظهر لأطفالي مدى احتياجي اليهم ورغبتي فيهم و أهميتهم لدي، وكم أحبهم، وأجعلهم يدركون أنهم أغلى نعمة ينعم الله بها على الآباء.